الكل مطالب بقراءة هذه الرحلة الطويييييييييييلة
................................
..............................
............................
..........................
........................
......................
....................
..................
................
..............
............
..........
........
......
....
..
بداية الرحلة إلى الدار الآخرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) . رحلة غريب .. رحلة غريب .. رحلة غريب. سفري بعيد وزادي لن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبني الموت.!! كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]. طويت الصفحات، وصرت في عداد الأموات، كأن لم تكن في الدنيا. القبر!! وأنزلوني إلى قبري على مهل وقدموا واحداً منهم يلحدني وكشف الثوب عن وجهي لينظرني... القيامة!! وخرجت من تلك الأجداث وتلك القبور إلى ربها حفاة عراة غرلاً، فلا أنساب ولا أحساب. الحساب!! قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ [ق:28] * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق:29]. حطت الرحال، ففريق في جنة الله الكبير المتعال.. في دار الخلد والإجلال، وفريق في دار الخزي والندامة والعذاب والملامة. فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]. وبدأت الرحلة.. وبدأت الرحلة. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]. إنها بداية الرحلة إلى الآخرة، إنها بداية عظيمة! فتخيل نفسك إذا ضعف جنانك، وثقل لسانك، وكثرت خطوبك، وعظمت كروبك، إذا عرضت عليك عند كشف الغطاء ذنوبك! إنها اللحظة التي يعرف الإنسان فيها حقارة الدنيا.. إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها أنه فرط كثيراً في جنب الله.. إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها بالحسرة والألم على كل لحظة فرط فيها في جنب الله، ينادي: رباه! رباه! لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100]. يا زلة كتبت في غفلة ذهبت يا حسرة بقيت في القلب تحرقني حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].
القبر أول منازل الآخرة
ثم نقلت عن الأحباب، وحملت إلى التراب، فيا ساكن القبر غداً! ما الذي غرك من الدنيا؟ أين دارك الفيحاء؟ وأين نخلك المضطرد؟ أين رقاق ثيابك؟ فيا مجاور المهلكات! صرت في محل الأموات. وأنزلوني إلى قبري على مهل وقدموا واحداً منهم يلحدني وكشف الثوب عن وجهي لينظرني وأسبل الدمع من عينيه أغرقني فقام محترماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني فلا إله إلا الله! من ساعة نزلت فيها أول منازل الآخرة، لا إله إلا الله! إذ صرت في عداد تلك السفينة الناخرة، واستقبلت الحياة الجديدة، فإما عيشة سعيدة أو عيشة نكدة، ونزلت في عداد أولئك الغرباء، بين الأجداث والبلاء، هناك.. في ظلمة القبر لا أم هناك ولا أب شفيق ولا أخ يؤانسني أين صديقك المؤانس؟ أين رفيقك المجالس؟ لقد وضعت في القبر على غير وهاد ولا وساد، ولا مقدمة زاد ولا استعداد، فتخيل نفسك في ذلك المكان. فيه الظلام كذا السكون مخيم والروح رُد وجاءني الملكان فلا إله إلا الله! من دار تقارب سكانها وتفاوت عمارها، فقبر يتقلب في النعيم والرضوان العظيم من الرحيم الحليم الكريم، وقبر في دركات الجحيم، والعذاب المقيم. ننادي ولا مجيب، ونستعصم ولا مستجيب، انقطعت الأيام بما فيها، وعاين الإنسان ما كان يقترف فيها. وهالني صورة في العين إذ نظرت من هول مَطْلَعِ ما قد كان أدهشني من منكر ونكير ما أقول لهم قد هالني أمرهم جداً فأفزعني وأقعدوني وجدوا في سؤالهم ما لي سواك إلهي من يخلصني أصبحت في ضيق وكربات، وهم وحسرات، من ظلمات القبور وسؤال منكر ونكير، والخلود في البرزخ إلى يوم البعث والنشور.
بعث الناس من القبور
ضمت القبور أهلها، وانطوت على من حل فيها، فلما حان الموعد جمعت تلك الأشلاء والأعضاء، ونادى منادي الله عليها أن تخرج إلى اللقاء الموعود واليوم المشهود.. إلى يوم تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48]. وخرج الناس من تلك الأجداث وتلك القبور إلى ربهم حفاة عراة غرلاً، فلا أنساب ولا أحساب، ولا جاه ولا عز ولا مال.. فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:51-52]. خرج العبد حسيراً كسيراً أسيراً.. خرج حقيراً ذليلاً، فلا أحد يكفيه، ولا شيء يواريه، خرج إلى الله حافياً عارياً.. خرج إلى ربه.. خرج إلى خالقه.. خرج إلى جبار السماوات والأرض ووقف أمامه حتى يسأله ويحاسبه.. هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [يس:52-54]. فلا إله إلا الله! من يوم بطلت فيه الملهيات، وزالت فيه المغريات، وعاين العبد فيه الحقائق أمام عينيه، جُمع فيه الناس على أرض واحدة: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94]. كيف احتيالي إذا جاء الكتاب غـداً وقد حشرت بأثقالي وأوزاري وقد نظرت إلى صحفي مسودة من شؤم ذنب قديم العهد أو طاري وقد تجلى لهتك الستر خالقنا يوم المعاد ويوم الذل والعار فلا إله إلا الله! من أرض لم تطأها قدم غير تلك الأقدام، ولا إله إلا الله! إذا شعت الشمس وتبدد الظلام، ولا إله إلا الله! إذا طال الوقوف بين يديه، ولا إله إلا الله! يوم يرهن العبد بما جناه بيديه. وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]. إنه يوم تجتمع فيه الخصوم، وينصف فيه المظلوم.. إنه اليوم الذي أعده الله للعباد، فتنشر فيه الدواوين، وتنصب فيه الموازين، لحكومة إله الأولين والآخرين.
حال الإنسان عند حلول سكرات الموت
وتخيل نفسك طريحاً بين أهلك، وقد وقعت في الحسرة، وجفتك العبرة، وثقل منك اللسان، واشتدت بك الأحزان، وعلا صراخ الأهل والإخوان. كأنني بين كل الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد تجمع حولي من ينوح ومن يبكي علي وينعاني ويندبني ويدعى لك الأطباء، ويجمع لك الدواء؛ فلا يزيدك ذلك إلا هماً وبلاءً. وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني وبعدها: تيقنت أن الموت قد فاجأك، وأن ملك الموت قد وافاك، فيئس منك الطبيب، وفارقك الحبيب، فوقعت في الحسرة، وجاءتك السكرة. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]. فتخيل نفسك وأنت في نزع الموت وكربه، إذا نظرت ببصرك إلى من هم حولك، فرأيت أمك وأباك وأختك وأخاك، وقد سالت منهم الدموع فلا ترد عليهم جواباً، ولا يستطيع لسانك خطاباً. تلك اللحظة التي يلقي الإنسان فيها آخر النظرات على الأبناء والبنات، والإخوان والأخوات، يلقي فيها آخر النظرات على هذه الدنيا، وتبدو على وجهه معالم السكرات، وتخرج من قلبه الآهات والزفرات. واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرق بلا رفق ولا هون واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار ريقي مريراً حين غرغرني ثم اشتد بك النزع والسياق، وقد بلغت الروح التراقي. كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة:26-29]. وبطلت بعدها كل حيلة، وعجزت كل وسيلة، وعلمت أن نهاية المطاف: إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:30]. لا إله إلا الله! من ساعة تطوى فيها صحيفتك، إما على الحسنات أو على السيئات، تتمنى حسنة تزاد في الأعمال، تتمنى حسنة تزاد في الأقوال، تتمنى صلاح الأقوال والأفعال. رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون:10]. تحس بقلب متقطع من الألم، تحس بالشعور والندم؛ أن الأيام انتهت، وأن الدنيا قد انطوت. وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا الكفن وقام من كان أولى الناس في عجل نحو المغسل يأتيني يغسلني فتخيل حالك -أيها الغافل- يوم تقلّب على المغتسل بيد الغاسل، قد زال عزك عنك، وسلب مالك منك، وأُخرجت من بين أحبابك، وجهزت لترابك، ونودي أين المغسل؟! فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني وأودعوني على الألواح منطرحاً وصار فوقي خرير الماء ينظفني وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن وألبسوني ثياباً لا كمام لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني ثم ألبسوك الكفن، وحملت إلى العفن، وأخرجت من بين أحبابك، وجهزت لترابك، وأسلمت إلى الدود، وصرت رهيناً بين اللحود، وصار القبر مأواك إلى يوم القيامة ومثواك. لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:22]. في لحظة واحدة أصبح العبد كأن لم يكن شيئاً مذكوراً، طويت الصفحات، وصرت في عداد الأموات، تذكر كأن لم تكن في الدنيا، كأن عينيك لم تر، وكأن أذنك لم تسمع، وكأن الأرض لم تضرب عليها الخطى. وأخرجوني من الدنيا فواأسفا على رحيل بلا زاد يبلغني وحملوني على الأكتاف أربعة من الرجال وخلفي من يشيعني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني
وقوف العبد بين يدي الله
إنها المسئولية العظيمة.. المسئولية الجليلة الخطيرة، إنها مسئولية الآخرة، كل هذه الجموع، وكل هذه الأمم أقيمت في ذلك المشهد العظيم، وذلك اليوم العظيم؛ لكي تنهال عليها الأسئلة، وتعد لها درجاتها ودركاتها بحسب ما تجيب. إنه اليوم الذي جمع الله فيه الأولين والآخرين من أجل السؤال، هناك حيث تغص الحناجر بغصصها، هناك.. يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17]. وأبى الله إلا أن تشخص إلى السماء بعينيك، تنتظر فصل القضاء، تنتظر حكم رب الأرض والسماء، أفي الجنة أم في النار يكون القرار!! وشخصت الأبصار بين يدي الواحد القهار. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:93-95]. ليت شعري إذا أتيت فردا والموازين قد نصبت حيالي والدواوين قد نشرت وجئنا والنبيون يشهدون سؤالي ما اعتذاري وما أقول لربي في سؤالي وما يكون مقالي هناك حيث تقف بين يدي الله، والشهود حاضرة، والعيون إلى الله ناظرة.. هناك حيث يوقف العبد بين يدي الله جل جلاله، فينادي منادي الله: يا فلان ابن فلانة! قم للعرض على الله. فلا ينادى أحد بأبيه؛ لكي تزول الأحساب والأنساب؛ ويذل العباد بين يدي الله رب الأرباب. يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [طه:108-109]. فدعيت أمام الأولين والآخرين، فارتعدت فرائصك من خشية الله، واصطكت القدمان بين يدي الله، وجئت من دارك إلى لقاء الله، وسألك الله عن الأيام التي مضت، وعن السنين والأعوام التي انقضت، سألك عن الشباب وما كان فيه من اللهو مع الأصحاب والأحباب.. فنشرت بين يديك الأوقات لا تفوت منها لحظة واحدة، فإما لك وإما عليك. وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]. وعرض عليك الشباب بأيامه وما فيه من الشهوات والملهيات، وكشفت الأستار وتبدت للأنظار، هناك حيث تشهد عليك الليالي بما اجترحت فيها. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].
مصير أهل السعادة يوم القيامة
تذكر حالك وحال قلبك يوم تقف بين يدي الله حافياً عارياً مكشوفاً ذليلاً، مذهولاً متحيراً، قد ترادفت عليك الهموم والكروب، وأحاطت بك الأهوال والخطوب. وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]. هناك حيث تحمد عيناً سهرت على طاعة الله، وقدماً طالما انتصبت بالوقوف بين يدي الله، فقلت: رباه! أما ليلي فوقوف بين يديك أناجيك بالقرآن، وأما نهاري فصيام لوجهك يا رحمان، وأما يدي فأنت الشهيد وأنت المطلع، فكم سترت بها من عورات، وكم فرجت بها من كربات، ونفقات أنفقتها لهذا اليوم العظيم، فحسن فيك ظني، فلا تخيبني وقد وقفت بين يديك. وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه:111-112]. وأما جناني فأسكنته حبك وتوحيدك، فعشت -وأنت الشهيد- أوحدك وأنت الحميد المجيد، ما ناديت أحداً سواك، ولا تعلقت بشيء عداك. ربي! صببت علي البلايا، فعذت بك وحدك ولم أعذ بشيء عداك، وصببت علي الرزايا فصبرت واحتسبت لهذا الموقف بين يديك. وأما لساني فأنت الشهيد وأنت المطلع، فكم ذكرت به مع الذاكرين، وكم أثنيت عليك به مع المثنيين، وكم تلوت به آياتك، اللهم فعلتها وصغتها لوجهك العظيم.. اللهم فعلتها ابتغاء رضوانك الكريم. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]. وأما رجلي فضربت بها الخطى، اللهم خرجت بها في الظلمات فقمت بها مع القائمين، ونصبتها مع الراكعين الساجدين. وأما يدي فكم رفعتها ضارعة بين يديك. وأما وجهي فقد عفرته بالسجود بين يديك. فيا من خشع لك سمعي وبصري! نجني من هول هذا اليوم العظيم. يا واحداً صمداً بغير قرين ارحم ضراعة عبدك المسكين واعطف علي إذا وقفت مروعاً حيراناً بين يديك يوم الدين ما حيلتي في يوم نشر صحيفتي إذا قيل لي خذها بغير يمين لا حيلة عندي ولا لي موئل إن خانني طمعي وحسن ظنوني يا رب لا تترك عبيدك هالكاً وارحم بفضلك عبرتي وشجوني اللهم مع هذه الحسنات والباقيات الصالحات فالفضل لك جل جلالك، والفضل لك وحدك لا إله غيرك.. يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [النحل:111]. فقيل: من شهودك؟ فشهدت الأرض التي أقلتك، والسماء التي أظلتك.
مآل المؤمنين دخول جنات النعيم
وقال الله: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف:68-69]. خذوا عبدي إلى جنات النعيم، خذوه إلى الرضوان العظيم، فنال الكتاب باليمين، وصاح أمام العالمين: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:19-24]. ففتحت أبواب الجنان. هذي الجنان تزينت وتفتحت أبوابها فعجبت للعشاق أينام من عشق الجنان وحورها وكرائم الجنات للسباق بل كيف يغفل موقن بعظيم سلعة ربه وبذا النعيم الباقي فهنيئاً لتلك الأقدام التي انتصبت في جوف الليل بين يدي الله تناديه، وهنيئاً لتلك الألسن التي عجّت بالدعاء بين يديه تناجيه، اليوم يومها، والنعيم نعيمها، والسرور سرورها. وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:31-35]. هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باق وليس بفانِ وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم ولحوم طير ناعم وسمان وفواكه شتى بحسب مناهم يا شبعة كمُلت لذي الإيمان لحم وخمر والنسا وفواكه والطيب مع رَوح ومع ريحان فيا لها من لحظات سعيدة! إنها لحظة الفوز العظيم.. إنها لحظة الزحام على الخلد والنعيم المقيم، وعلى السعادة الأبدية، فكأني بأهل الجنة وقد فتحت أبوابها، وقد ذهلوا من عبقها وأريجها وتربها وترابها! وهيج الشوق فيهم قصورها وحسانها! وخطف الأبصار منهم ديباجها وسندسها وإستبرقها! مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:54-60]. فطوبى لمن كانت الجنة مأواه!، وهنيئاً لمن كان هذا أمله وذلك منتهاه!، فيا غافلاً: انتبه..! فيا غافلاً: انتبه! فقد جد الرحيل. يا غافلاً عما خلقت له انتبه جد الرحيل ولست باليقظان أألهتك اللذائذ والأماني عن الفردوس والظل الدواني؟ ولذة نومة عن خير عيـش مع الخيرات في غرف الجنان تيقظ من منامك إن خـيراً من النوم التهجد بالقرآن
عرض الظالمين على رب العالمين
ونادى منادي الله لتلك النفس الظالمة في جنب الله: يا فلان ابن فلانة! أن قم إلى العرض بين يدي الله، فسئل عن ليل طالما في الإثم قضاه، وعن نهار طالما في الباطل أضاعه، فنادى منادي الله: أي حسنة ترجوها عندنا؟ وأي صالحة قدمتها في جنبنا؟ فنشرت الفضائح، وصاح بين يدي الله الصائح: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]. فقالت القدم: إلى الحرام طالما مشيت، وفي جنبك -رباه- أسأت واعتديت. وقالت اليد: كم افترفت من الآثام! وكم هتكت وأكلت من الحرام! فما خفت منك -ربي- حقيقة الخوف. وقالت العين: أما أنا فقد نظرت وتمتعت، رباه! متعني بالحرام، واستعان بي في تزيين الفواحش والآثام، وشهدت الفروج بآثامها، والجوارح بخطيئاتها، ثم عرضت على الله مظالمها.. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21]. فشهدت الجوارح بآثامها، وعرضت الفضائح بين يدي الله ربها، فقال الله: يا ملائكتي! خذوه، ومن عذابي أذيقوه؛ فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني. عصيت الله ألوان المعاصي كأني لست أوقن بالقصاص فما لي لا أنوح على ذنوبي وأبكي يوم يؤخذ بالنواصي إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41]. ووقفت تلك النفس الآثمة الظالمة على نار تلظى، وجحيم لا يفنى، وبدا لها مآلها، وتمنت أن لو رجعت لكي تسكن في جنب ربها، فكبكبت على رأسها وجبينها، فهوت في جهنم كالبهائم، وتقلبت بين الدركات والظلمات والحسرات. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:103-108]. مضت الشهوات بأهلها، وانقضت النيات بأصحابها، وذاق الهوان بعد المعزة والكرامة، ونزل إلى ذلك الدرك العظيم من الجحيم، فكأن لم يكن مر به نعيم قط.
مآل الظالمين يوم القيامة
روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، وعزتك) . فيا سبحان الله! بغمسة واحدة في النار نسي النعيم والسرور، ونسي المرح والحبور، فكيف بمن يكبون على وجوههم مغلولين! النار من تحتهم، والنار من فوقهم.. عن يمينهم نار، وعن شمالهم نار، فهم غرقى في النار.. طعامهم نار، وشرابهم نار، ولباسهم نار، ومهادهم نار، تغلي بهم النار كغلي القدور يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21]. أما سمعت بأهل النار في النار وعن مُقاساة ما يلقون في النار أما سمعت بأكباد لهم صدعت خوفاً من النار فانزالت على النار أما سمعت بأغلال تناط بهم فيسحبون بها سحباً على النار أما سمعت بأنفاس لهم حبست عن التنفس من حرارة النار أما سمعت بأجساد لهم نضجت من العذاب ومن غلي على النار وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50]. وهوى في تلك الدركات، رهين السيئات، فلا مال ولا بنون، ولا عشيرة ولا أقربون، فرق بين الأم وولدها، والآباء وأبنائهم، وفرق بين الأصحاب والأحباب، فراق لا لقاء بعده أبداً، نعيم لا جحيم بعده، وجحيم لا نعيم وراءه فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ [الزخرف:76]. الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:51].
فريق في الجنة وفريق في السعير
وحطت الرحال.. ففريق في جنة الله الكبير المتعال، في دار الخلد والإجلال، وفريق في دار الخزي والندامة والعذاب والملامة، ووجد المؤمن ما قدم من الإحسان في درجات الجنان.. في جوار الرحمن.. مع الخيرات الحسان، وهناك يجد الكافر ما عمل من العصيان، في سموم النيران.. في جوار الشيطان.. مع الذل والهوان، ووجد المؤمن النعيم والخلود، ووجد الفاجر عذاباً غير مردود. فهل يستوي الفريقان؟ كلا -والله- لا يستويان. أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:18-21]. أخي: تذكر أن لك موعداً مع الموت وسكرته، والقبر وضمته، ويوم القيامة وكربته، والحساب وشدته، ثم إلى جنة أو إلى نار. ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن إن الغريب له حـق لغربته على المقيمين في الأوطان والسكن لا تنهرن غريباً حال غربته الدهر ينهره بالذل والمحن سفري بعيد وزادي لن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبني ولي بقايا ذنوب لست أعلمها الله يعلمها في السر والعلن ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني تمر ساعات أيامي بلا ندم ولا بكاء ولا خوف ولا حزن أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني يا زلة كتبت في غفلة ذهبت يا حسرة بقيت في القلب تحرقني دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتفكير والحزن دع عنك عذلي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرة منها تخلصني كأنني بين كل الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد تجمع حولي من ينوح ومن يبكي علي وينعاني ويندبني وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أر الطب هذا اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرق بلا رفق ولا هون واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار ريقي مريراً حين غرغرني
انتظر الردود