35 ألف شجرة فتحت لهم الطريق إلى الأسواق الأوروبية

قرية فلسطينية تقاوم هجرة مسيحييها بالاستثمار في الزيتون والفنادق

رام الله - سعيد أبو معلا
إلى الشمال من مدينة رام الله وعلى بعد 15 كيلو متراً تقريباً تقع قرية "الطيبة" التي تعتبر بلدة مسيحية خالصة، تلخص جزءاً كبيراً من مشكلة المسيحيين في فلسطين، كما تجود بجزء كبير من الحل أيضا.

قرية "الطيبة" تفجع زائرها وتدهشه أيضا بتحولاتها، فهي التي كان عدد سكانها في ستينات القرن الماضي أكثر من 3400 مسيحي يعيش فيها اليوم أقل من 1300 مسيحي فقط.

ذات الأرقام التي أخبرنا بها "الأب رائد أبو سحلية"، كاهن رعية اللاتين في القرية، تخبرنا أن أكثر من 8 آلاف مسيحي من سكانها يعيشون مبعثرين في عشرات المدن والعواصم الأجنبية.

مسلسل الهجرة المؤلم الذي دب بالقرية الصغيرة ذات المكانة الدينية الكبيرة عصف بقلب "الأب أبو سحلية" عندما عين فيها راعيا للاتين عام 2003، غداتها كانت معاناة السكان تظهر عبر كلماتهم البسيطة التي كانت تقف أمام طلبه من عازمي الرحيل بالتوقف عن الهجرة، كانوا يرددون على مسمعه بحزن: "أبونا بدنا نظل.. وبنحب البلد.. لكن فيك تشغلنا".

تلك الكلمات البسيطة كانت تعبيرا عن ثقل الجانب الاقتصادي على حياتهم، وهو الذي مثل أحد أسباب الهجرة المسيحية من فلسطين باقترانه مع الوضع السياسي المتفجر دوما، وهو الذي جعل من نسبة المسيحيين في فلسطين تصل لمستويات خطيرة باعثة على القلق.

فبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2010 يعيش في فلسطين 41.188 ألف مسيحي، فيما يهاجر سنويا بحسب معلومات الدكتور حنا عيسى، وكيل الشؤون المسيحية المساعد في وزارة الأوقاف أكثر من 600 مسيحي.
أمل وتفاؤل
"الطيبة" التي طالما اكتوت بنار رحيل عائلاتها وشبابها تبعث اليوم على التفاؤل لتشكل أملا للمسيحيين في فلسطين، فقد كان لقدوم الأب أبو سحلية قبل سنوات ثمانية حدثا فارقا في حياة سكانها. فهو تجربة كنسية ملهمة، بدلالة نتائجها المبشرة على أرض الواقع.

تنطلق فكرة "الأب أبو سحلية" كما يخبرنا في تصريحات خاصة لموقع "العربية نت" من مقولة "أن للكنيسة دورا وواجبا في تثبيت الناس على أرضهم"، وهو ما دفعها للاستثمار في القرية بأفكار خلاقة وإبداعية دعمت صمود أبنائها عبر القيام "باقتصاد مبني على لاهوت تطبيقي" كما يحلو له القول.

يحدثنا أبو سحلية بإسهاب عن تجربته الممتدة سنوات سبع ويقول: "بدأنا بالزيتون حيث في القرية 35 ألف شجرة زيتون فكانت بداية طريق تثبيت السكان في بلدتهم، حيث استطعنا أن ننفتح على السوق الأوروبي الذي أصبح أكبر مستورد لما تجود به أراضي القرية والقرى المجاورة".

ويتابع أبو سحلية: "تصدير الزيت لدول الاتحاد الأوروبي تطلب جودة معينة دفعت بنا لإقامة معصرة حديثة كلفتنا 250 الف دولار وهو ما عمل على تطوير عملنا فأصبحنا نصدر أكثر من 800 تنكة زيت سنويا، وهو ما يعني دخلا ماديا قويا لسكان القرية بعد أن كان جزء من تعاملاتها المالية يقوم على الزيت العيني".
تحويل المنتج إلى رسالة
ويضيف: "بعد ذلك طرحت سؤالا تمثل في: هل يمكن أن نحول المنتج "الزيت" إلى رسالة؟، ووجدت الإجابة في فكرة أطلقت عليها اسم "قنديل السلام في الأرض المقدسة" حيث رأينا أن نضع في كل كنيسة في العالم قنديل سلام يتم تصنيعه في الطيبة ويضاء بزيت القرية ذاتها، وهو ما تطلب منا تأسيس مشاغل خزفية يعمل فيها 22 شخصا براتب شهري".

ويضيف: "تلك القناديل التي وزعنا منها لغاية الآن 100 ألف قنديل في خمس قارات كانت بمثابة رسائل سلام، ووسيلة تضامن مع مسيحيي فلسطين وطريقة جعلت القرية تعيش حراكا اقتصاديا دوما ما افتقدته".

لم يتوقف الحلم مع الأب أبو سحلية، فقرر تأسيس مصانع تنتج الشامبو والبخور والصابونة، وهو ما عمل على تسويقه من خلال الإنترنت وعبر السياح الذين يتوافدون إلى القرية سنويا بمعدل 40 ألف سائح.

كل تلك المشاريع إضافة إلى أنها شغلت السكان وحققت أهدافا اجتماعية عملت على توفير مبلغ مالي بقيمة 2 مليون دولار كما يؤكد أبو سحلية، استثمرها في مركز صحي حديث يعمل فيه 10 موظفين، وبيت للمسنين يعمل فيه 13 موظفا.

في القرية اليوم أيضا فندقين صغيرين يتسع الأول إلى 32 غرفة فيما الثاني يتسع لـ 38 غرفة، ومدرسة حديثة أشرف عليهما "أبو سحلية" وجعلهما جزءا من خطته الاستراتيجية التي صنعت معادلة جديدة عمادها "الحصول على تمويل فالاستثمار فالعمل والإنتاج فالربح والمشاركة بدلا من الركون للمساعدات فقط".

تلك المساعدات المالية، برأي الأب أبو سحلية، جعلت التعامل مع المسيحيين يتم على أنهم "شحاذون" وهو ما يرفض استمراره.
لا هوت تطبيقي وهجرة معاكسة
وعن فكرته التي قلبت معادلة القرية يقول: "لم أخترع الأمر إنما هو جواب لحاجة ماسة يريدها الناس، وعلى الكنيسة أن تستجيب لها، فلا يكفي أن يقتصر دور الكنيسة على الخدمات الدينية والتعليمية والاجتماعية في ظل الواقع الفلسطيني الصعب".

فـ"أبو سحلية" يرى أن أن الكنيسة التي لا تلبي احتياجات الناس.. ليست بكنيسة المسيح، فعلى الكنيسة واجب الدفاع عن الفقراء الذين لا يمكن لهم الصمود في وجه الفقر والظلم.

والاسثمار الذي يؤسس له "الأب أبو سحلية" يقوم على لاهوت تطبيقي أو اقتصاد مبني على لاهوت، وهو اقتصاد يقوم على مبدئين الأول: أن المسيحيين لا يجب أن يستمروا بالحصول على مساعدات كأنهم شحاذون في ظل وجود رغبة عميقة لدى المسيحي بالعمل حيث يمتلك المنتجات التي تجعله يعيش بكرامة.

أما المبدأ الثاني الذي يؤمن به أبو سحلية فيطرحه علينا على شكل سؤال: "هل فعلا نحن عاجزون عن توفير فرص عمل لكل المسيحيين الموجودين في فلسطين والذين تبلغ نسبتهم 1.4% من نسبة الشعب الفلسطيني؟ هل فعليا لا نستطيع أن نؤسس بنية تحتية اقتصادية تجارية صناعية توفر فرص عمل لهم بدلا من هجرتهم؟".

الجواب حاضر لدى الأب المتحمس دوما، وهو بالنفي قطعا، يضيف: "يحتاج المسيحي إلى عمل ومن ثم بيت ويتبع ذلك زواج، ذلك الثلاثي إن توفر فلن نراه يطرق أبواب السفارات للهجرة".
هجرة عكسية
هنا لا يحلم أبو سحلية بتقليل الهجرة فقط بل يسعى إلى تحقيق هجرة عكسية، حيث يقوم سنويا بعقد مؤتمر يجمع أهالي الطيبة المتواجدين في بلدان العالم المختلفة في محاولة لإقناعهم بالاستثمار في القرية، وهو ما تحقق فعليا في المؤتمر المنصرم الذي حضره 400 مهاجر من سكان القرية.

هؤلاء كما يقول أبو سحلية "تحمسوا للتطورات التي تعيشها القرية وهو ما دفعهم إلى تمويل إنشاء فندق جديد بكلفة 10 مليون دولار".

أحلام الأب أبو سحلية لا تتوقف على ما حققه من إنجازات، ففي جعبته الكثير من المشاريع التي سينفذها عام 2011 منها فتح إذاعة خاصة مسيحية، وبناء قرية صغيرة موازية للقرية الأم، وبناء فندق كبير آخر، وتشييد مول تجاري، ومشروع تعبئة مياة طبيعية للشرب...الخ من الاستثمارات التي يمكن أن توفر لسكان القرية حياة كريمة تدفعهم للبقاء وتحميهم من غول الهجرة.

في النهاية ينهي "الأب أبو سحلية" حديثه بثقة المؤمنين قائلا: "هناك من يخوفنا من أن فلسطين لن يبق فيها مسيحي واحد، أنا أقول إنه في حال وصلنا لتلك المرحلة فسأتزوج (يكسر رهبنته) وأنجب وأبدأ من جديد".

تشرفـت بمرورك غالـــــيتى
نورتى صفحتى بمرورك العطـر
تحياتى (عاشقة سوسو)

» أتلتيكو مدريد يهزم إنتر ميلان ويتوج بلقب كأس السوبر الأوروبية
» فوز للفراعنة يعبد الطريق الى الدور المقبل
» سجل اسمك في شجرة منتدانا